
النكبة التي تتوارثها الأجيال

عماد فواز العربي
أمد/ تنشأ العديد من الأزمات الإنسانية نتيجة النزاعات والحروب المتعددة في العصر الحديث والمعاصر، ومن أبرز هذه الأزمات هي مشكلة اللاجئين. ومن أهم قضايا اللاجئين على مستوى العالم هي قضية اللاجئين الفلسطينيين المشتتين بين دول الجوار الفلسطيني. وهناك عدة طرق لمعالجة هذه المشكلة الصعبة من قبل المنظمات الدولية بناءً على اعتبارات ديمغرافية وسياسية ووطنية. ومن أبرز هذه الجهود كانت معاهدة الجامعة العربية في عام 1955 برئاسة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكانت نتيجتها الحفاظ على هوية اللاجئين الفلسطينيين وعدم تشتيتهم في دول الجوار، وبالتالي تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية سياسية بدلاً من كونها قضية إغاثية. وكان للمنظمة التحرير الفلسطينية دور بارز في التأكيد على قضية اللاجئين واعتبارها قضية سياسية. ويحق لللاجئ أن يعود إلى أرضه ووطنه بعد انتهاء النزاع والصراع حسب قرار الأمم المتحدة رقم 194. وقد قامت الأمم المتحدة بتكليف وكالة الغوث (الأونروا) بمهمة التعامل مع قضية اللاجئين. وقام الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ سياسة الأمر الواقع من خلال استغلال القوة والتأثير الصهيوني في الدول الرئيسية ذوات الحق في الفيتو
دفع الأشخاص الذين أجبروا على النزوح ثمن اختلاف قوى وضعف العمق العربي والإسلامي في دعم القضية الفلسطينية في نواحٍ إنسانية واجتماعية ومعيشية واقتصادية. يعيش بعض اللاجئين في مخيمات دائمة ومحاصَرة في لبنان، حيث لا يعيشون حياة كريمة ويعانون من صعوبات عديدة تتعلق بفرص العمل. بالإضافة إلى ذلك، يعاني اللاجئون في قطاع غزة بسبب الحرب والحصار المستمرين وتأثيرات الانقسام ونقص فُرص العمل. أما اللاجئون في سوريا، فقد عانوا من الصعاب ودفعوا ثمن الحرب الأهلية، والآن يبحثون عن حياة آمنة في مناطق أخرى
يتم استثناء اللاجئ الفلسطيني من تعريف اللاجئ في المواثيق الدولية للأمم المتحدة وفقًا للقانون الدولي. يؤكد ذلك على أن وضعية اللاجئ الفلسطيني لها خصوصية حساسة ومعقدة. نحن نعرف اللاجئ الفلسطيني بأنه مواطن آمن طُرد من وطنه ودياره بالقوة. له حق أن يناضل بكل وسائل متاحة للعودة إلى وطنه، وفقًا للمواثيق الدولية للأمم المتحدة وقرارها الخاص باللاجئين الفلسطينيين في عام 1948. ينص القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على أهمية العودة السريعة للأشخاص الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام، والتعويض عن ممتلكات اللاجئين الذين يختارون عدم العودة. ومع ذلك، توقفت الحماية الدولية للاجئين في منتصف الخمسينيات وتأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لتقديم المساعدة لهم دون حماية اللاجئين
لم تقم وكالة الأونروا بتسجيل دقيق وشامل لجميع اللاجئين الفلسطينيين وهذا يتعارض بصورة فاضحة مع القوانين الدولية. إن أونروا تمنع النساء من الحصول على خدمات أساسية ضرورية وتقوم بمنع حقوق اللاجئين الكاملة بسبب حالتهم الزوجية مع شريك غير مسجل. وهذا التمييز يمنع الأونروا من أداء المهمة الموكلة إليها. يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين بحوالي ستة ملايين لاجئ، ما يمثل نصف عدد سكان فلسطين العرب، ونسبة الفقر بينهم تزداد بشكل مخيف ومعدلات البطالة لديهم مرتفعة
إن اللجنة الشعبية للاجئين الفلسطينيين هي جزء أصيل من منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. تأسست هذه اللجنة على يد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهي تعتبر إحدى المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. تواجه دائرة شؤون اللاجئين العديد من التحديات، أهمها الصراع مع الكيان الصهيوني الذي يمارس ضغوطًا ممنهجة طويلة الأمد لمنع حق الفلسطينيين في العودة وفقًا لقرار (194). تعاني اللجنة أيضًا من ضعف التمويل العالمي والعربي والإسلامي لتقديم المساعدات واستثمارها في مشاريع تنموية وبنية تحتية تسهم في تحسين حياة اللاجئين وتمكينهم من حياة كريمة. تسعى بعض الأنظمة السياسية كذلك إلى استغلال قضية اللاجئين في ظل الحروب الأهلية، كما حدث في سوريا، وتتسبب قرارات الولايات المتحدة الأمريكية الأخيرة، التي اتخذها الرئيس ترامب، في تعقيد قضية اللاجئين ومحاولة إنهائها
وتُعَدُّ لجنةُ الشعبِية للاجئين ذاتَ أهميَّةٍ كبيرةٍ تتجلَّى في الدفاعِ عن حقوقِ اللاجئينِ الفلسطينيينَ وتقديمِ الدعمِ لهم داخِلَ المخيماتِ في الوطنِ والشتاتِ وتوضيحِ احتياجاتِ اللاجئينَ أمامَ المحافلِ الدوليةِ الممثِّلةِ بكُثيرٍ من الحقوقِ الشرعيةِ كمواطِنٍ لهُ حقُّهُ في العيشِ بحياةٍ كريمةٍ وكذلكَ توضيحِ الحقوقِ الأصيلةِ للأَواصِلِ للحياةِ، ومحاولةِ إيصالِ المساعداتِ الدوليةِ والعملِ بالشراكةِ مع السُّلطةِ الفلسطينيةِ الوطنيةِ والأُونروا والدولِ المانِحةِ والدولِ العَربيةِ فهي تُعَدُّ شريانًا أساسِيًّا لاستمرار قضيةِ اللاجئِ والوقوفِ بوجهِ الصعوباتِ والتحدياتِ الكثيرةِ بشتى الطُرقِ والوسائلِ
تدخلت منظمة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بغية منع حدوث حروب أخرى وتعزيز استقرار الدول والمجتمعات النامية. وتُعتبر قضية فلسطين وتسوية أوضاع اللاجئين الفلسطينيين نقطة استقرار في الشرق الأوسط وعالمياً. ومع ذلك، لم تنجح الأمم المتحدة على مدى عقود طويلة في حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وتحقيق تسوية لأوضاعهم وفقًا لقرارات الأمم المتحدة والقوانين الدولية، حيث تظهر تحيزها نحو الصهيونية العالمية التي تؤثر بشكل خاص على القرارات الأمريكية
قد تم إصدار الولايات المتحدة الأمريكية العديد من القرارات ضد مصلحة القضية الفلسطينية وتقوم بتهديد الفلسطينيين بسحب التمويل الأمريكي المخصص للاجئين الفلسطينيين من الأمم المتحدة مقابل الحصول على مواقف سياسية
ينبغي أن نعمل على دعم اللاجئين الفلسطينيين بصورة عربية وإسلامية وعالمية، بما يفصل هذا الدعم عن الاعتماد على الدعم المشروط من الولايات المتحدة. كما يجب علينا التركيز على إبراز قضية اللاجئين وإقامة لوبي مضادٍ في أروقة الحكم لدى الدول الكبرى، وذلك من خلال وسائل الإعلام والأكاديميين والكتّاب والمثقفين. وعلينا أيضاً العمل على توفير مشروع وطني يحقق مصلحة جميع الفئات والتوجهات السياسية الفلسطينية، بما يخدم مسألة اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية وفي بقية الدول. وينبغي دعم دائرة شؤون اللاجئين بشكل فلسطيني وعربي، وذلك لتعزيز إبراز قضية اللاجئين على نطاق واسع وعالمي
لقد أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 56 قرار إسقاط صوت ضد قضية فلسطين، مما جعل اللاجئ الفلسطيني محاصرًا بين استيطان صهيوني وقرارات إسقاط الصوت الأمريكية
وذكرت الأرقام التي أعلنتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بحسب الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في ديسمبر 2020 يبلغ حوالي 6.4 مليون، من بينهم نحو مليونين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة
في الذكرى الـ75 للنكبة، أكدت إحصاءات "الأونروا" أن 28.4 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين الذين مسجلين لديها يعيشون في 58 مخيما رسميا، وتتوزع هذه المخيمات كالتالي: عشرة في الأردن وتسعة في سوريا واثنا عشر في لبنان وتسعة عشر في الضفة الغربية، بالإضافة إلى ثمانية في قطاع غزة. ويعتبر هذا العدد الأدنى لللاجئين الفلسطينيين، بما يعني وجود مزيد من اللاجئين غير المسجلين
تشكل أحداث نكبة فلسطين والتهجير المتلاحق مأساة هائلة للشعب الفلسطيني، حيث تم تشريد 957 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني يعيشون في فلسطين التاريخية في عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية. سيطرت إسرائيل على 774 منها، حيث تم تدمير 531 منها بالكامل، وما تبقى منها تم إخضاعه لسيطرة الاحتلال وقوانينه
وجاء في تقرير "الإحصاء" أن الحقائق الديموغرافية تثبت، بعد 75 عامًا على النكبة، تضاعف عدد الفلسطينيين بمقدار عشرة أضعاف. وعلى الرغم من تهجير حوالي مليون فلسطيني في عام 1948، وأكثر من 200 ألف فلسطيني بعد حرب يونيو 1967، فقد وصل إجمالي عدد الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم إلى 14.3 مليون نسمة في نهاية عام 2022، مما يشير إلى تضاعف عددهم بمقدار عشرة أضعاف منذ أحداث النكبة في عام 1948. من هؤلاء، يقدر تقريباً أن نصفهم (7.1 مليون) في فلسطين التاريخية، و1.7 مليون في المناطق التي تمت الاحتلال عام 1948
بناء على البيانات المذكورة، يشكل الفلسطينيون 50.1 في المئة من سكان فلسطين التاريخية، في حين يشكل اليهود 49.9 في المئة من إجمالي السكان ويستغلون أكثر من 85 في المئة من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية، والتي تبلغ 27,000 كم مربع.
الفلسطيني الموجود في أوروبا لم ولن يتخلى عن فلسطينيته، سيبقى وفيا لأبناء شعبه أينما حلو، وستظل أمنا فلسطين حاضرة في وجدانه، يورثها جيل بعد أخر إلى أن تحين العودة إلى أرض الوطن.
كلمات دلالية
أخبار محلية

وفد من "الاتحاد الأوروبي" يطلع على معاناة المواطنين في حوارة وبورين جراء اعتداءات المستعمرين
-
مجدلاني وممثل منظمة العمل الدولية يبحثان التعاون ببرنامح مشتركة بقطاع الحماية الاجتماعية
-
لجنة المتابعة تواصل مساعيها لكسر الحصار السياسي والملاحقات واضطهاد جماهيرنا الفلسطينية في الداخل
-
الهيئة 302: 74 سنة على تأسيس الأونروا: تحديات غير مسبوقة للاستمرارية
-
مركز "شمس" يطالب بإقرار آليات تنفيذية دولية ومحلية ملزمة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان