ما بين بلديّة رام الله وبلديّة البيرة

تابعنا على:   16:44 2023-09-27

منجد صالح

أمد/ مدينتي رام الله والبيرة هما المدينتين التوأم، مدينتين متحابتين مُتعانقتين،انهما المدينة الواحدة، على غرار مدينتي الخرطوم وأم درمان.

مدينة رام الله أصلا هي المدينة القديمة، ومركزها العريق العتيق رام الله التحتا، الشق المسيحي من اتباع ابننا عيسى ابن مريم التلحمي الناصري، الفلسطيني الاوّل والمُعذّب الاول على هذه الارض المُقدّسة المُباركة، ينتمي  وينتسب لها وتنتمي وتنتسب له، ومن ربوعها قبل اكثر من ألفي عام، انتشرت في ارجاء المعمورة شرقا وغربا شمالا وجنوبا رسالة التسامح والمحبّة والسلام، رسالة عيسى بن مريم، المسيحيّة. ’

 على مدى السنوات،إرتحل وهاجر معظم سكّانها الاصليّون نحو العالم الجديد والقديم،وخاصة الجديد، نحو أمريكا شمالا وجنوبا، شمالا تعني الولايات المتحدة وكندا، وجنوبا يعني دول امريكا اللاتينية وجزر حوض الكاريبي،  حيث يُشكّلون جاليات كبيرة ناجحة ومؤثّرة هناك، وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية، "جمعية ابناء رام الله"،  ويتواصلون باستمرار دون انقطاع مع الوطن الام فلسطين.

ويعقدون سنويّا مؤتمرات للجالية "ابناء رام الله"، امّا في اوطانهم الجديدة، في احدى الولايات الامريكية وامّا في الوطن الام في رام الله.  

أمّا مدينة البيرة، فهي الشق المسلم من حبّة التفاحة المقسومة نصفين.

هي الاراضي الشاسعة شرقا وشمالا وهي الاكبر مساحة والاكثر امتدادا.

تمتدّ اراضيها حتى تتاخم قريتي سردا وابو قش جهة مدينة بير زيت شمالا، وامّا شرقا فحتى جبل الطويل وإلى سفوح التلال والهضاب المشرفة على غور ونهر الاردن.

وجنوبا تتاخم حدود محافظة القدس،  العاصمة الابدية لفلسطين وتتداخل معها.

وتُشكّل بلديات رام الله والبيرة منضمّة لهما بلدية مدينة بيتونيا المُتاخمة والمندمجة معهما في الجغرافيا والتاريخ والديمغرافيا، "شيئا مشابها" لمدن "البيت الثلاثة" وهي مدن بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور في جنوب فلسطين القريب قبل الوصول إلى محافظة الخليل الكبيرة مساحة وعدد السكان، هذا إلى جانب ثقلها الاقتصادي الهام وحتى علاقاتها التجاريّة المباشرة في التجارة النشطة مع الصين.

في الثلاث سنوات الاخيرة، تسنّى لي، لحسن حظّي ونقاء سريرتي وصفاء نيّتي بناء علاقات صداقة وعمل وتواصل وتفاعل مع مكتبات البلديّات الثلاث، وخاصة مع مدراء هذه المكتبات ومع الطواقم الجميلة ذات المهنية العالية العتيدة فيها جميعها دون استثناء،اقولها واعيدها دون ابطاء ولا تردّد، وبكل صراحة وشفافيّة دون اي مصلحة أنيّة او استراتيجيّة او تكتيكيّة، وانما لوجه الله سبحانه وتعالى، صادقة راضية مرضيّة وللامانة حافظة ومحظيّة.

كان التواصل اولا مع مكتبات البلديات الثلاث موسميّا متقطعا، وكان سبب التواصل الرئيس هو اهدائي للمكتبات الثلاث كُتبي القصصية الاربعة التي صدرت تباعا: "ضاحية قرطاج عام 2019، ايسولينا وعجّة بالفلفل الاسود من منشورات وزارة الثقافة عام 2021، سلّم لي على السفارة من منشورات الرعاة عام 2022 واخيرا كتابي القصصي الرابع سيّدة من لاباز من منشورات مكتبة كل شيء حيفا"، حيث تم توقيعه قبل ايام في معرض رام الله الدولي للكتاب ويشارك حاليا في معرض عمّان الدولي للكتاب.  

تعرّفت اوّلا قبل حوالي ثلاث سنوات على عامر عوض الله، مدير مكتبة بلدية البيرة، وهي مكتبة كبيرة ونشيطة ومرتّبة ومنظّمة، وعامر يعمل كالدينامو، محظوظا بوجود طاقم مهني نشيط ومثابر.

جدير بالذكر والتنويه والتصريح أن عامر هو شقيق الشهيدين البلطين عادل وعماد عوض الله، اللذين سقطا شهداء بعد معركة مع جنود الاحتلال في شهر سبتمبر عام 2021، وكان معروفا عنهما الشجاعة والاقدام والمواجهة الدائمة مع الاحتلا، رحمهما الله شهداء مخلّدين مع النبيين والصدّيقين في جنات العُلا.

توثّقت علاقتي بعامر وبمكتبة بلدية البيرة وببلدية البيرة بصورة عامة، بعد أن بدأت، وحسب اتفاق مسبق بيننا، باعطاء دورات ودروس لغة اسبانية، منذ ما قبل شهر رمضان المنصرم، في احدى صالات المكتبة.

اعطائي لدورات اللغة الاسبانية هذه المذكورة جعلني اكتشف حقيقتين هامتين ساطعتين: " الاولى ان مكتبة بلدية البيرة لديها منتدى للغات منظّم ويدار بمهنية عالية من قبل المدير ومن قبل الطاقم جميعا دون استثناء، والحقيقة الثانية التي اكتشفتها واسعدتني وادهشتني في نفس الوقت هي مدى الاقبال الغزير والكبير من الناس على تعلّم اللغة الاسبانية التي اعشقها وادرّسها بكل محبّة، ومن كافة الاعمار.

خرّجنا دورة، 12 طالبا في المستوى الاول مباشرة بعد رمضان الماضي، ثمّ عملنا على دورتين مستوى اول ومستوى ثاني، عشرين طالبا، وانهوا الدورتين بنجاح و"شطارة"، ونحن الان بصدد عمل احتفال تخريجهم بعد ان جهّزنا لهم الشهادات المطلوبة وباللغتين العربية والاسبانية.

وننوي ان شاء الله الاستمرار بدورات اخرى بمستويات متدرّجة بعد تخريج الدورتين المذكورتين، والاقبال ما زال نشطا وكبيرا لتعلّم لغة سرفانتيس و غابرييل غارسيا لوركا، لغة غابرييل غارسيا ماركيز الروائي الكولمبي الشهير الفائز بجائزة نوبل للآداب عن روايته "مائة عام من العُزلة".

مكتبة بلدية رام الله لدي معها قصة اخرى ورواية مختلفة تروى وحكاية تُحكى: "قبل حوالي العام ذهبت إلى المكتبة واحمل في يدي كتابي القصصي الثالث "سلّم لي على السفارة"،بنيّتي ورغبتي اهداءه للمكتبة، مكتبة رام الله العريقة المعروفة.

ذهبت "دون احم ولا دستور"، هكذا على الغارب، على تيسيرالله سبحانه وتعالى، دون موعدٍ مسبق ودون ترتيب اي لقاء مع أيّ كان في المكتبة.

دخلت من الباب الزجاجي وتوجّهت مباشرة نحو"كاونتر دائري" تجلس فيه سيدة يبان بعض من شعرها الاسود القصير من حافة الكاونتر العالية.

صباح الخير، بادرت بالتحية، اودّ ان ارى مدير المكتبة أو احد المسؤلين فيها لاهداء كتابي للمكتبة.

وقفت سيدة داخل الكاونتر على وقع صوتي وتحيّتي واستدارت نحوي. وضعت ذراعيها على الكاونتر و"حملقت" بي وببسمة عريضة بانت معها كل اسنانها هتفت:

"اهلا سيّد منجد، تفضّل.

انت اذا تعرفينني، اذن نحن نعرف بعضنا.

اكيد انا اعرفك جيدا قبل ان تسافر سفيرا لفلسطين في المكسيك.

هذا جميل وهذا يُسهّل الامور عليّ اذا.

تفضل نشرب قهوة، قهوة اهلا وسهلا.

شكرا للطافة، بكل ودّ وسرور وحبور.

جلسنا نحتسي القهوة في ركن في نفس صالة المكتبة، ودردشنا مطوّلا. عرفت انها رانية الحسيني، ابوها مربي فاضل ومعروف وهي تعمل في المكتبة منذ 25 عاما، وهي المديرة العامة للمكتبة.

من يومها ونحن، هي وانا، نشرب القهوة صباحا بصورة دائمة ربما كل اسبوع أو اسبوعين، حسب التساهيل كما يُقال، ودائما قهوتها قهوة اهلا وسهلا والى اللقاء في القهوة القادمة. سيدة مثقّفة "جدعة" صديقة صدوقة وتحضّر رسالتها للدكتوراة التي ستناقشها قريبا بالتوفيق ان شاء الله.              

امّا مكتبة بلدية بيتونيا الشقيقة الصغرى لبلديتي رام الله والبيرة، فقد تعرّفت على مديرتها آلاء القاضي عندما دعتني لحضور ندوة ادبية في مكتبة البلدية لنقاش كتاب "الكتابة على ضوء شمعة" الخاص بالاسرى من تأليف واعداد وتحرير الصديقين حسن عبّادي، المحامي الحيفاوي، صديق الاسرى، وفراس حج محمد، الشاعر والكاتب والناقد المبدع.

توالت زياراتي والتواصل مع مكتبة بلدية بيتونيا ومع آلاء القاضي مديرتها، ولديها طاقم جميل من العاملين في المكتبة.  وذلك لحضور ندوات والمشاركة فيها أو لاعطاء محاضرات حول الكتابة الابداعية، وحتى للقاء مجموعة من الصغار في صالة المكتبة والحديث معهم واقوم برواية قصص وحكايات لهم تعجبهم ويسعدوا بها وخاصة من "سلسلة قصص زُنزُن" التي اعدّها لتكون جاهزة للطباعة والنشر قريبا ان شاء الله.

كلمات دلالية

اخر الأخبار